الأحد، 29 نوفمبر 2015

مجتمع!

مجتمع!

خلال الأيام الماضية، والتي من المؤكد أنك شاهدت فيها مشاهد القتل والمجازر المؤلمة التي تحدث في أنحاء هذا "المجتمع الضخم" وليس العالم (في الواقع لم يعد هناك شيء اسمه عالم)، لا أستبعد أنك شعرت في كل لحظة فيها بكمية المشاعر السلبية والآلام التي تبث في كل لحظة عبر شاشات التلفاز والمواقع الاجتماعية أكثر من رؤية الصور أو اللقطات الدموية أو حتى قتل انسان بكل برود بطريقة تنفي وجوده ووجدانيته. دعني أُؤكد لك قبل أن أكمل الكتابة، بكل أسف، أن هذا المجتمع الضخم في حالة تدهور اجتماعي شديد.

بحثت اليوم عن معنى كلمة "مجتمع"، ماذا تعني هذه الكلمة؟ نعم هي تعني العلاقات والتعايش بين الناس في منطقة معينة، ولكني بالمقابل وجدت العشرات من كلمة "مجتمع افتراضي" متسائلًا هل مجتمعاتنا البشرية، الكتل الضخمة والعلاقات الكبيرة بين الناس، كلها مجرد افتراض أو بالأصح "وهم"؟ بدأت بالتفكر حينها كيف لذلك أن يكون صحيحًا رغم وجود العولمة والاتصال اللحظي والسريع بين أطراف العالم!

تنتشر في الآونة الأخيرة الكثير من المقالات التي تتذمر من مواقع التواصل الاجتماعي والأجهزة المختلفة وكيف أنها سلبت المجتمع من جمال العلاقات البشرية والعائلية، وحتى جمال الابداع في الهوايات والفنون المختلفة. ولكني هنا أتحدث عن خطر أكبر بكثير من انحسار التواصل الاجتماعي البشري والذي يكون في الأغلب عبارة عن مجموعة من الأحاديث الجانبية التي تضيع الوقت. إن هذا المجتمع الضخم أو العالم يعاني من مشاكل كبيرة تتفاقم مع مرور الأيام مثل الجوع والفقر، انتشار الأوبئة والأمراض، ازدياد الأمراض النفسية، المجازر البشرية، التفاوت الشديد في المستويات العلمية، الاستبداد والاستغلال، الخ.. ولكن المشكلة الكبرى هي أن الجزء المرفّه من البشرية (والذي يعيش داخل وهم "الطبقة الوسطى أو العادية") لا يعير أي ذرة اهتمام لهذه المشاكل! وبصورة أوضح، أين هو هذا "المجتمع الضخم" المليء بالعلاقات والمصاب بجنون العولمة في مساعدة الدول التي يموت فيها الآلاف من البشر يوميًا بسبب الجوع؟ أو حتى يسمح بتجربة العقارات والأدوية على بني جلدته كما حدث عند تجربة عقار شلل الأطفال في دول أفريقيا مما راح ضحيته الآلاف جراء ظهور مرض "الإيدز"؟ أين هو المجتمع الذي لا يوقف مهزلة الجماعات الأرهابية التي تقتل الأبرياء بسبب إيمانهم ومعتقداتهم كما هو الحال عند "داعش" أو في بورما؟ أين هو هذا المجتمع الذي امتلك كبرياء من العدم وعزل نفسه عن الجزء المتهالك من هذا العالم؟

بعد هذا لن يستطيع أي أحد أن يلومني إن شككت بوجود مجتمع أو أدركت أن ثقافة مسمى "مجتمعات" أصبحت وهم، طالما أن وسيلتنا الوحيدة لحل هذه المشاكل و مساعدة الشعوب التي تعاني منها هو "لايك" على "فيس بوك" و"ريتويت" في "تويتر"، وأحيانًا كثيرة ننشغل بـ "بودكاست" على "الواتساب" يحذرنا من العين والحسد والسحر وكيف تَسَبَبَت في قتل أحدهم والذي غالبًا يكون أحد الحمقى!

إن المجتمعات الإسلامية والمسلمون قديمًا، أدركوا أن من شكر النعم هي ضمان عموميتها على أفراد المجتمع نفسه دون عنصرية أو تمييز أو طبقات اجتماعية مزيفة، وتمسكوا بأسرار النجاح الاجتماعي الفائق، وهذا سبب لهم التفوق في جميع المجالات العلمية والروحانية والفنية، وحقق لهم فعليًا الارتقاء بالمجتمع الإسلامي في كافة الأصعدة (وليس كهدف عارض موجود على أوارق الخطط الخمسية أو المستقبلية فقط)، وأيضًا قام بحمايتهم من مشاكل اليوم الكبيرة.

هذا التفوق الاجتماعي كله يتحقق عن طريق ضمان جميع حقوق الفرد التي منحها الله له: (حق الحياة، والكرامة، الحرية والتعليم، والتملك، والعمل). والمعرفة بواجباتك وحقوقك مع: (والديك وأبنائك، زوجك، الأقارب، الفقراء والمساكين). وفي نظري يتحقق هذا النجاح الاجتماعي أيضًا من خلال "انصر أخاك ظالمًا أو مظلوما"، وبالإدراك بأن "المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا".


لنشر التدوينة

هناك تعليق واحد:

  1. لم يكن للمسلمين ذلك التفوق في ذاك الزمن إلا لغرق بقية الأمم في الجهل والاستبداد والقمع المطلق من قبل السلطة الأعلى في كل أمة، وما أن رأت تلك الأمم النور حتى رأينا منهم العجب العجاب والذي ساد ولم يساد إلى الآن ..

    المجتمعات تنسخ بعضها وتتلاقح بالرغبات وتتفق ... أينما كانت السعادة صكّ لها درباً ويتصاعد الأمر إلى سعادة أخرى تنسخ ما قبلها ... يتعارف الناس على هذا وينكرون ما يخالفه ... !!

    سنة القاتل والمقتول تناقلتها الأجيال من أثر حادثة أبناء آدم عليه السلام ولا زالت تتسع دائرتها حتى يقتل الأثر الحياة ليكون البعث يومئذ من المراقد وعيا وإدراكا لما كان عليه الناس من قبل ..


    مقال دارت دوائره علنا وسرًّا كتبه متبصر لله دره !!!
    علي آل علي

    ردحذف

Blogger Template by Clairvo